كائنات...
تجربة رهيبة، يجربها عالم طموح، فتجلب إلى عالمنا كائنات جديدة...
كائنات لم تألف عالمنا، ولم يألفها عالمنا بحجمها هذا...
ولأنها خرجت إلى بيئة مغايرة، وظروف مختلفة، فقد اكتسبت سمات جديدة.. ومخيفة..
سمات جعلتها كائنات وحشية، ذكية، ومنيعة...
اقرأ التفاصيل المثيرة، وقاتل مع "نور" ورفاقه، ضد الكائنات..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
على الرغم من انتهاء ساعات العمل الرسمية والإضافية، ومن رحيل معظم علماء مركز الأبحاث التابع للمخابرات العلمية المصرية، فقد ظل معمل الدكتور"صفوت" مضاءًً، ربما لأن الرجل قد انهمك في العمل، حتى إنه لم ينتبه إلى مرور الوقت...
كان يعيد ويعدل حسابات جهاز أشعة التصغير الذي ابتكره مع فريق العلماء، اعتماداً على نظرية المونوبول، التي تقضي بتقليص الفراغات بين الخلوية، وبين الذرية في الأجسام الصلبة والحية، بحيث ينتقص حجمها على نحو كبير مع احتفاظها بوزنها الأصلي ثابتاً*...
وفي اهتمام بلغ حده الأقصى، راح الدكتور "صفوت" يعدل نسبياً امتزاج الأشعة البروتينية بالأشعة النيوترونية، وأجرى حسابات بالغة الدقة، لعكس مفعولهما معاً استعداداً لتلك التجربة الجديدة، التي ملكت عليه حواسه كلها، منذ وقع بصره على ذلك الشيء..
جسم هلامي حي، في حجم كرة تنس، يخرج من مجموعة الأهداب اللزجة يتحرك طوال الوقت في عصبية واضحة وذلك الجسم مستقر على المنصة المعدنية، التي يستخدمها الدكتور "صفوت" كنقطة استقبال لمزيج أشعته الجديدة...
ولأنه خشي من أن يفارق ذلك الجسم الهلامي نقطة الإسقاط، فقد أحاطه بناقوس زجاجي سميك يحوي ثقوباً رفيعة، لتأمين تجدد الهواء المستمر...
وعندما تجاوزت عقارب الساعة الواحدة صباحاً ببضع دقائق، كانت معادلات الدكتور "صفوت" قد اكتملت وأصبحت تجربته الجديدة مستعدة للبدء...
وبأنفاس لاهثة، من فرط اللهفة والفضول والانفعال، صوب الدكتور "صفوت" أشعته نحو ذلك الجسم الهلامي، الذي بدا وكأنه يتموج، على نحو منتظم وأهدابه تتحسس جدران الناقوس الزجاجي، في حذر واضح...
ثم ضغط الدكتور "صفوت" زر الجهاز...
وانطلقت الأشعة...
وفي فراغ الحجرة كله، توهج ضوء ساطع قوي، أجبر الدكتور "صفوت" على إغلاق عينيه لحظات، قبل أن يخبو الوهج، فيفتح هو عينيه في حذر، و...
واتسعت عيناه عن آخرهما...
وانتفض جسده بمنتهى الرعب، وهو يتراجع بحركة حادة، ملتصقاً بالجدار وحلقه يطلق صرخة مدوية:
النجدة... الأمن... الأمن.
التقط طاقم أمن المركز الصرخة، فاندفع خمسة رجال أشداء نحو صالة المعامل التجريبية، وكل منهم يسحب مسدسه الليزري ورأوا مصباح الخطر يضيء أعلى باب معمل الدكتور "صفوت" فانقضوا عليه دون إنذار، كما تقتضي التعليمات، وأطلق أحدهم أشعة مسدسه على رتاج الباب، وضربه آخران بكتفيهما، و....
واتسعت عيون الخمسة عن آخرها...
ففراغ المعمل كله كان يحتله جسم هلامي هائل، ينبض على نحو عجيب، وله أهداب طويلة لزجة، التصقت بالسقف والجدران...
ولم يكن هناك أثر للدكتور "صفوت"...
أدنى أثر...
وفي حركة سريعة، تحركت أهداب الجسم الهلامي والتصق بعضها بجسد أحد رجال الأمن الذي حاول في ذعر التخلص منها إلا أنها جذبته في قوة، نحو الجسم الهلامي نفسه، فصرخ:
النجدة يا رفاق..
وقرن صرخته بإطلاق أشعة مسدسه الليزري نحو ذلك الجسم في هستيريا فزعة، في نفس الوقت الذي اندفع فيه اثنان من رفاقه يحاولان جذبه بكل قوتهما بعيداً عن الجسم الهلامي الذي راح زميلاهما الآخران يطلقان عليه أشعتهما القاتلة، في غزارة شديدة...
ولكن كل تلك الأشعة الليزرية المنهمرة على الجسم الهلامي لم توقفه لحظة واحدة بل لم يبدُ عليه حتى أنه يشعر بها، ومزيد من أهدابه اللزجة تلتف حول رجل الأمن المسكين وتجذبه بقوة هائلة إلى الجسم نفسه...
قوة عجز معها رفيقاه عن التصدي لها، فانقبض قلباهما واتسعت عيونهما عن آخرها في رعب هائل..
عندما اضطرا أخيراً لإفلاته ورأياه ينسحب نحو ذلك الجسم الهلامي.. وهو يصرخ بكل رعب الدنيا:
لا.. ليس هكذا... ليس...
وقبل حتى أن يكمل صرخته، اخترق جسده غلاف الجسم الهلامي، واختفى داخله تماماً...
وتلاشت صرخته...
تلاشت مع تلك الحركة العنيفة التي قام بها الجسم الهلامي، وكأنه يلتهم ضحيته، ويضمن استقرارها في أعماقه...
وفي الوقت ذاته انتفض جزء من الجسم الهلامي في عنف، ثم لفظ كتلة كبيرة من العظام...
عظام بشرية متهالكة تلتصق بها قطع صغيرة للغاية من اللحم، وبقايا أوتار وشدات عضلية...
وبكل رعب الدنيا تراجع رجال الأمن الأربعة عبر باب المعمل المحطم وأدركوا أن أسلحتهم لن تجدي نفعاً، إزاء ذلك الوحش العجيب الرهيب الذي لم يروا مثيلاً له في حياتهم كلها...
وفي نعومة مخيفة، انزلق الجسم الهلامي المرن خلفهم، عبر الباب نفسه وراح يزحف عبر ممرات مركز الأبحاث الذي انطلقت فيه صفارة إنذار قوية...
صفارة الخطر...
الكبرى...
* * *
هز الدكتور "محمد حجازي" كبير الأطباء الشرعيين رأسه في أسف، بعد أن انتهى من فحص كومة العظام المتهالكة، التي بقيت في معمل الدكتور "صفوت" وإجراء الاختبارات الأولية عليها، والتفت إلى "نور" ورفاقه قائلاُ:
إنها عظام الدكتور "صفوت" ولا شك... فحص الحامض النووي للبقايا أثبت هذا، وإن كنت أتساءل: كيف وصلت العظام إلى هذا الحد في تلك الفترة القليلة؟!
غمغم "رمزي":
سؤال منطقي يا دكتور "حجازي" فوفقاً للشهود كان الدكتور "صفوت" حياً يستعد لإجراء تجربة جديدة في معمله قبيل الحادث بساعة واحدة.
تساءل الدكتور "حجازي":
ترى ما طبيعة تلك التجربة بالضبط؟!
هز "نور" رأسه، مجيباً:
على الرغم من أن اللائحة الداخلية لمركز الأبحاث، تحتم تحديد طبيعة التجارب، قبل الشروع فيها، فإنه من الواضح أن الدكتور "صفوت" -رحمه الله- كان يجري تجربة خاصة، خارج النسق العام للمركز وأنه قد بذل جهداً حقيقياً لإخفاء تفاصيلها عن الجميع، وربما لهذا قرر أن يجربها بعد أوقات العمل الرسمية.
انبرت "سلوى" تقول في اهتمام:
ولكن معطيات جهاز الأشعة تؤكد أنه قد استخدم قبيل الحادث مباشرة، مما يوحي بأن لهذا شأنا بما حدث.
سألها "نور" على الفور:
وهل يمكنك استخدام تلك المعطيات، لتحديد نوع وطبيعة التجربة التي كان يجريها قبيل مصرعه؟!
أشارت إلى ابنتها، قائلة:
ربما بالاستعانة بخبيرة كمبيوتر، رفيعة المستوى.
أجابتها "نشوى" في حزم:
يمكننا أن نبدأ على الفور.
قال "نور" في سرعة:
عظيم... عليكما ببداية عملكما فوراً، وسنتولى نحن ما تبقى..
تدخل "أكرم" في هذه اللحظة، وهو يقول في توتر:
معذرة يا رفاق، ولكنني أظنكم تطرحون الأسئلة غير المناسبة في موقف كهذا.
سأله "رمزي" في اهتمام:
وما الأسئلة المناسبة، من وجهة نظرك؟!
أشار "أكرم" بسبابته قائلا:
سؤال أساسي بالغ الخطورة... لو أن ذلك الكائن الذي التهم الدكتور "صفوت" ورجل الأمن وتسبب في كل هذه الفوضى، ضخم إلى الحد الذي وصفوه، فكيف يمكن أن يختفي؟!.... وأين؟!
تبادل الكل نظرة متوترة، وغمغم الدكتور "حجازي" وهو يعقد حاجبيه، ويتلفت حوله في قلق:
أظنك على حق يا "أكرم"..
أما "نور" فقد بدا عصبياً بعض الشيء وهو يقول:
مركز الأبحاث محاط بأسوار عالية يسري فيها تيار كهربي قوي للغاية ونظم الأمن هنا لا تسمح بخروج أو دخول حشرة واحدة دون أن يتم رصدها وهذا يعني أن ذلك الكائن أياً كان حجمه مازال داخل المكان.
قال "أكرم" في عصبية:
أين يمكن أن يختبئ إذن؟!
أجابه "نور":
هناك شبكة أنفاق ضخمة أسفل مركز الأبحاث تحوي آلات التهوية المركزية ونظم الطاقة البديلة، وتنقية المياه، والصرف المؤمن، وهي مكان مظلم ورطب ويصلح تماماً للاختباء..
سحب "أكرم" مسدسه في حزم وهو يقول:
وماذا ننتظر إذن؟!
أجابه "نور" بلهجة قوية:
ننتظر وصول فريق بحث مناسب.. فـ"سلوى" و"نشوى" ستفحصان معمل الدكتور "صفوت" وأجهزته، و"رمزي" سيتولى عملية التقييم النفسي لرجال الأمن، الذين شهدوا الحادث وعاشوه، وأنت وأنا لا نكفي وحدنا لبحث آمن في شبكة الأنفاق، كما أننا لا نملك خريطة لها، تؤمن لنا عدم الضياع داخلها؛ لذا فلقد طلبت بعض المتطوعين، من طاقم الأمن مع خريطة كاملة للأنفاق حتى يمكننا بدء البحث.
غمغم "أكرم" في ضيق:
وهل ستجد متطوعين، بعد أن شاعت قصة ما واجهه رجال الأمن الأساسيون هنا؟!
أجابه "نور" في حسم:
لدينا ثلاثة متطوعين بالفعل، وسنبدأ البحث فور وصولهم.
ولم يعلق "أكرم" على عبارته، ولكنه ولأول مرة في حياته، شعر بأن الساعات القادمة ستحمل نوعاً جديداً من الخطر...
ومن الرعب...
بلا حدود..
* * *