رتفع أزيز متصل خافت، في حجرة القائد الأعلى للمخابرات العلمية المصرية، فمد يده يضغط زر الاتصال، متسائلاً:
ماذا هناك؟!
ظهرت على الشاشة أمامه صورة مساعده الأول، وهو يقول:
سيدي... أجهزة الأمن التقطت حالة اختراق أمني.
قال القائد الأعلى في توتر:
اختراق أمني؟!... لماذا؟!... لأية جهة؟!
أجابه مساعده:
للكمبيوتر المركزي الرئيسي.
تراجع القائد الأعلى في مقعده، وقال بلهجة تشف عن خطورة الأمر:
هذا خطير للغاية..
ثم اعتدل، يسأل في اهتمام:
هل تم الاختراق في الجزء العسكري؟!
هز المساعد رأسه على الشاشة، وهو يجيب:
كلا يا سيدي... لقد تصورنا في البداية أنه اختراق للنظم العسكرية، أو لخطة الغزو الرئيسية، أو حتى لبرنامج تطوير الأسلحة ونظم المعلومات، ولكن الواقع أن الاختراق تم لشبكة الطاقة الرئيسية.
غمغم القائد الأعلى في دهشة:
شبكة الطاقة الرئيسية؟!... ولماذا يرغب شخص ما أو ترغب جهة ما، في السيطرة على شبكة الطاقة الرئيسية!
أجابه المساعد في سرعة:
خبراؤنا يدرسون كافة الاحتمالات يا سيدي.
صمت القائد الأعلى بضع لحظات مفكراً، ثم تساءل:
وهل توصلتم إلى هوية الدخيل؟!
أجابه:
إننا نبذل قصارى جهدنا، ولكنه يستخدم برنامجاً شديد التعقيد، وعبر ثلاثة محاور في آن واحد، مما يحتم وجود فريق عمل كامل ويحتاج إلى بعض الوقت.
غمغم القائد الأعلى:
هذا يعيدنا إلى السؤال الأول... من؟!... ولماذا؟!
وفي ذهنه، بدا الجواب حائراً، وبعيد المنال..
إلى أقصى حد...
* * *
لو أمكنني الصمود لربع ساعة آخر فسأجري التجربة بنجاح..."
نطقت "نشوى" العبارة في توتر، وأصابعها تعمل بأقصى سرعة، فتابعها "رمزي" لحظات، قبل أن يسألها:
ماذا تتوقعين بالضبط؟!
أجابته في سرعة:
لو واصلت السيطرة بنفس السرعة، فسأصبح قادرة على سحب طاقة تكفي لإجراء التجربة.
سألها في توتر:
ألم يكن من الممكن فعل هذا بأسلوب رسمي؟!
هزت رأسها في قوة، مجيبة:
كان هذا سيستغرق وقتاً طويلاً حتماً... فالطاقة التي سأسحبها من المولدات الرئيسية لإجراء التجربة تغذي القاهرة الجديدة كلها لمدة عشر دقائق كاملة، وهذا يعني أنه فور بدء التجربة سينقطع التيار في مصر كلها تقريباً لمدة دقيقتين أو في كل القاهرة الجديدة وحدها لمدة عشر دقائق مع كل ما سيتتبعه هذا من توقف لأجهزة الإنذار الإلكترونية وخزائن المصارف، ومحطات الاتصالات وشبكة الفيديو وغيرها.
قال في قلق شديد:
وماذا عن المستشفيات والمنشآت الطبية؟!
أجابته:
القانون يجبرها كلها على أن تحتفظ بمولدات طوارئ خاصة، لمثل هذه الظروف..
وصمتت لحظة، قبل أن تضيف:
كما أن كل دقيقة نضيعها قد تعني حياة أحد المفقودين..
نطقتها وهي تتساءل: هل ستجري التجربة بالفعل؟!..
وهل ستجريها في الوقت المناسب؟!...
هل؟!...
* * *
الكائنات الهلامية الضخمة كانت تقترب...
وتقترب...
وتقترب...
والخوف في أعماق "سلوى" يتضاعف...
ويتضاعف...
ويتضاعف...
لم تكن خلال حياتها الحافلة كلها، تتخيل أن النهاية يمكن أن تأتي على هذا النحو...
ليس في قلب بكتيريا بسيطة...
كانت تتصور، أنه عندما يحين أجلها، ستلقى مصرعها في كوكب ما أو في زمن ما...
في قتال مع غزاة من عالم آخر، أو عبر صراع مع عالم مجنون...
ولكن ليس هكذا...
ليس هكذا أبداً...
ولم تدر أيهما يثير فزعها أكثر؟!
أنها ستلقى مصرعها أم أنها ستلقاه بهذه الوسيلة؟!...
دائماً ما يردد "نور" على مسامعها أن الموت آت لا ريب، فينبغي أن يخشاه المرء أكثر مما ينبغي...
المهم أن يموت وهو يقاتل..
ويقاوم...
ويعمل...
بالنسبة إليه، كان هذا دوماً هو الفارق الوحيد، بين الحياة والموت... وكانت تؤمن بهذا المبدأ تماماً...
ففي كل مرة واجها فيها الموت معاً، لم تبالِ بالوسيلة...
أما الآن، وفي هذه المرة، فقد بدا لها الأمر يختلف..
يختلف تماماً
ستموت وهي بحجم ذرة...
مجرد ذرة...
وستقضي نحبها داخل خلية بسيطة...
خلية بكتيرية...
ويالها من نهاية!....
"إنها تحيط بنا من كل جانب..."..
قطع الدكتور "صفوت" استرسال أفكارها بعبارته هذه..
فالتفتت إليه مذعورة، ولاحظت ما لاحظه...
البكتيريا كانت تحاصرهما تماما هذه المرة...
تحاصرهما من كل صوب...
ودائرتها تضيق...
وتضيق...
وتضيق...
ولن تمضي دقيقة واحدة، حتى تطبق عليهما...
وعندئذ...
لم تستطع تخيل الصورة، مع انتفاضة جسدها، فصرخت بكل قوتها:
"نور"... أنقذني يا "نور"
ولكن صرختها ضاعت في فراغ...
فراغ بلا حدود...
* * *
ارتجف صوت "نشوى" من فرط الانفعال وهي تعمل على أزرار الكمبيوتر قائلة:
لدينا الآن طاقة كافية..
غمغم "رمزي":
على بركة الله..
انتقلت لتعد جهاز الأشعة المزدوجة في نفس اللحظة التى انبعث فيها أزيز متصل داخل الحجرة وظهر وجه مدير أمن المركز، على شاشة الاتصال، وهو يقول:
سيدة "نشوى"... هناك فريق أمني من مكتب القائد الأعلى يرغب في مقابلتك فوراً.
أدركت "نشوى" على الفور أنهم قد كشفوا أمر اختراقها الكمبيوتر المركزي، فقالت في توتر:
فليمهلوني خمس دقائق فحسب.
أجابها في حزم:
معذرة يا سيدتي، ولكنهم يصرون على مقابلتك فوراً..
صمت لحظة، ثم أضاف:
والواقع أنهم في طريقهم إليك بالفعل.
كان إعداد الجهاز للتجربة العكسية يحتاج لأربع دقائق على الأقل، وإلا فسيذهب كل ما فعلته هباء، لذا فلم يكد مدير الأمن ينطق العبارة، حتى ضغطت زر جهاز الاتصال لتنهي المحادثة، ثم التقطت أداة معدنية وحطمت بها أزرار الجهاز بضربة عنيفة، انتفض لها جسد "رمزي" وهو يسألها في ارتياع:
رباه!... ماذا تفعلين؟!
هتفت به:
أنهي الاتصالات، وسأمنعهم من الدخول، حتى تنتهي التجربة..
صاح بها:
"نشوى"... إنك تتورطين أكثر وأكثر، وتتجاوزين الخط الأحمر.
أجابته في صرامة:
سأتجاوزه ألف مرة، من أجل والديّ..
كانت تعمل في سرعة على إعداد جهاز الأشعة للتجربة وتحاول بلوغ نظام الأمن في الوقت ذاته، عندما تناهى إلى مسامعها وقع الأقدام الثقيلة، التي تقترب في سرعة...
وأصبح الأمر سباقاً، بين النجاح والفشل، وبين الحياة...
والموت..
* * *